تخيل أنك تسير في أرض مليئة بالأسرار، حيث تكمن تحت رمالها وحجارها حضارات قديمة تختفي وراء ستار الزمن. هذا هو ما تفعله هيئة التراث السعودية حاليًا، حيث أطلقت 77 مشروعًا ضخمًا للمسح والتوثيق الأثري في مختلف أنحاء المملكة، هذه المشاريع ليست مجرد أعمال حفر، بل هي رحلات استكشافية عبر الزمن لكشف وتوثيق الكنوز التاريخية غير المكتشفة التي تروي تفاصيل الحقب القديمة التي نشأت على أرض السعودية والتي كانت طي النسيان. تشمل هذه المشاريع جميع الفترات الزمنية، وتهدف إلى دراسة وتوثيق كل المعثورات الأثرية بعد اكتشافها.
رحلة عبر الزمن:
تغطي هذه المشاريع جميع الفترات الزمنية، من العصور الحجرية وحتى العصور الإسلامية. فرق علمية سعودية ودولية تعمل جنبًا إلى جنب باستخدام أحدث التقنيات في عمليات المسح الشامل، مثل نظم المعلومات الجغرافية، والمسح الجيوراداري الأرضي، والنمذجة ثلاثية الأبعاد، والتصوير الجوي المنخفض، والذكاء الاصطناعي لرسم الخرائط الجغرافية والطبوغرافية، لكشف الكنوز المدفونة وتقديم معلومات قيّمة تساعد في فهم الظروف البيئية والثقافية والاجتماعية للمواقع التاريخية، وتوسيع المعرفة حول فترات العصور القديمة.. كل قطعة أثرية تكتشف، كل نقش يقرأ، كل مبنى يكشف عن أسراره، يقربنا خطوة من فهم تاريخ هذه الأرض العريقة.
وأشارت هيئة التراث إلى أن المشاريع تنتهي بتوثيق المعلومات والمحافظة عليها، وتسعى إلى إبراز الدور الحضاري للسعودية في الحضارة الإنسانية العالمية، واستثمار هذه المعثورات في المجالات البيئية والثقافية والسياحية.
مشروع اليمامة الأثري: نافذة على تاريخ الرياض:
أحد أهم هذه المشاريع هو “مشروع اليمامة الأثري” الذي يركز على مدينة الرياض ومحيطها. هذا المشروع يهدف إلى استكشاف العمق التاريخي والحضاري للعاصمة السعودية، وكشف أسرار المواقع الأثرية التي كانت شاهدة على تطورها عبر العصور. يمتد المشروع من عام 2024 حتى عام 2028، ويشمل المسح الشامل لنطاق مدينة الرياض، ويمتد إلى وادي حنيفة والمراكز المحيطة بها، بالإضافة إلى مشاريع أخرى في مواقع ضرماء، والحني، والمصانع بالتعاون مع الشركاء. من المتوقع أن يكشف هذا المشروع عن حقائق جديدة حول تأسيس المدينة وتوسعها، وأن يقدم لنا لمحة عن حياة الناس في تلك العصور.
أهمية هذه المشاريع:
* الحفاظ على التراث: هذه المشاريع تساهم في الحفاظ على التراث الثقافي للمملكة وحمايته من الضياع.
* تعزيز السياحة: اكتشاف هذه المواقع الأثرية سيساهم في تنشيط السياحة الثقافية في السعودية.
* الفخر الوطني: تساهم هذه الاكتشافات في تعزيز الفخر الوطني والإحساس بالهوية.
* التعليم والبحث العلمي: توفر هذه المشاريع فرصًا للباحثين والطلاب لدراسة التاريخ والحضارات القديمة.
ماذا بعد؟
مع استمرار هذه المشاريع، نتوقع أن نشهد اكتشافات مذهلة ستعيد كتابة تاريخ المنطقة. كل قطعة أثرية تكتشف هي قطعة من لغز كبير نحاول فك شفرته. هذه المشاريع ليست مجرد أعمال أثرية، بل هي رحلة معرفية مثيرة ننطلق فيها جميعًا لاستكشاف جذورنا وتاريخنا. دعونا نسافر معًا في هذه الرحلة ونكتشف كنوز الماضي التي ستشكل مستقبلنا. لأكثر من 60 عاماً من أعمال المسح والتنقيب الأثري..جهود بُذلت؛ لتوثيق الإرث الحضاري للمملكة.